الدولة والعصبية عند ابن خلدون
par Sana Ben Azzouz, vendredi 3 juin 2011, 16:36
وهو يشبهها بدورة حياة الإنسان التي ذكرها رب العزة في قوله تعالى لقد كان الهم الأول عند ابن خلدون وهو يكتب التاريخ ويصحح وقائعه ويستكشف ظواهر العمران البشري هو أن يجيب على سؤال محوري:كيف تقوم الدولة؟ كيف تنهار؟وقد وضع في اعتباره أن للدول أعماراً طبيعية كما للإنسان. دورة حياة الدولة"نظر ابن خلدون إلى الدولة على أنها كائن حي يولد وينمو ثم يهرم ليفنى، فللدولة عمر مثلها مثل الكائن الحي تماماً".
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير"
يمتلك هذه الرابطة. فوجود رابطة تجمع مجموعة من الناس وتدفعهم إلى التكتل والتضامن والإحساس بالخطر المشترك والتحرك في مواجهة الآخرين هو المقصود بالعصبية.وعلى ذلك يقول محمد عابد الجابري: "يمكن اعتبار التكتلات الحديثة بجميع صورها عصبية متى ما سعى منتسبوها لتحقيق أهداف معينة واضحة وجسد انتماؤهم للتكتل شعوراً قوياً بالتضامن للإنجاز يشتد وقت الخطر وينمو باطراد".وفي رأي ابن خلدون أن العصبية إذا اقترنت بالدين لا يقف أمامها شيء "فالصبغة الدينية تذهب التنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية (العرقية) وتفرد الوجهة إلى الحق". كما يرى أنه لابد للعصبية الدينية من عصبية أخرى. ومؤدى هذه النظرة في الواقع أن الدين لا يستغني عن جماعة أو تنظيم يطالب بتحقيقه ويدافع عنه.فإن وجود جماعة أو جهة تحمل هذه الفكرة الدينية وتتبناها يحقق مصلحتينوالدولة عند ابن خلدون تمر بأربعة أطوار هي: طور الظفر والاستيلاء على الحكم غلبة وقهراً وانتزاعاً. طور الاستبداد والانفراد بالسلطة والتنكر للعصبة. طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك وفيه تسود الراحة والطمأنينة. طور الهرم والانقراض بسبب الإسراف والتبذير.ويدور الفكر الخلدوني في الدولة والحضارة على قانون العصبية ويعني بها الالتحام الذي يكون بين الأقارب أو القبائل والعشائر والذي يدفع للمناصرة والمطالبة بالملك والمغالبة في سبيله ويدخل فيه الحلف والولاء وغير ذلك من صنوف التكتل والتحالف القبلي شاملاً أي نوع من الولاء المفضي للمغالبة في سبيل تلك الغاية.فابن خلدون يدرس كيف تصل جماعة ما إلى إسقاط نظام ما، ثم ماذا يحدث لها عندما تصل إلى الحكم ويشتد عودها، ثم ماذا يحدث عندما تنهار. وهو في نظريته يؤكد على نظرية العصبية القائمة على الدم أو على الدين. فإذا وجدت العصبية؛ فإن تفسيره للظواهر يقوم عليها. وعندما تشتد توصل أصحابها إلى السلطة وعندما تصل بهم إلى السلطة تضعف هذه الرابطة شيئا فشيئاً، إلى أن ينهار هذا النظام، ويقوم نظام جديد. وبالرغم من أن هذا النموذج الذي يتحدث عنه ابن خلدون - كما حدد هو في دراسته - متعلق بدول المغرب التي شاهدها والممالك التي قامت بها - إلا أن نظرية العصبية نظرية صحيحة في جوهرها، تنطبق على أماكن كثيرة.وقد عرف الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه "معالم نظرية خلدونية" العصبية بأنها "رابطة اجتماعية نفسية تربط أفراد جماعة معينة قائمة على القرابة المادية أو المعنوية ربطاً مستمراً يشتد عندما يكون هناك خطر يهددهم" أوهي "قوة جماعية تمنح القدرة على المواجهة سواءً كانت المواجهة مطالبة أو دفاعاً".وينطبق ذلك أيضاً على أكثر من مجرد القبيلة التي كانت تتحرك برابطة الدم. فهو ينطبق على الحزب السياسي، إذا اجتمعت في أتباعه هذه الصفة، وينطبق على الجيش إذا تحول إلى حزب سياسي
وجود العصبية التي تتم بها المدافعة والجسم المادي (الجماعة) الذي يدافع
وجود الفكرة (الدين) التي تستجلب العصبية وتهذبها وتنقيها من الشوائب التي يفرزها التعصب. حيث أن الدين ينقي العصبية من سلبياتها ويستثمر إيجابياتها.عوامل إضعاف دور العصبية
إذ "المذلة والانقياد كاسران لثورة العصبية وشدتها فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقدانها فما رئموا المذلة حتى عجزوا عن المدافعة، ومن عجز عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزاً عن المطالبة والمقاومة".- الترف والنعيموهو عامل يقف بالعصبية في منتصف طريقها نحو تحقيق غايتها المنشودة. وكلما ازداد انغماس أفراد العصبة في النعيم ضعفت رابطتهم شيئاً فشيئاً حتى تضمحل.ترى ما الذي يلغي دور العصبية عند ابن خلدون؟! فإذا وجدت أمة من الأمم، أو مجتمع من المجتمعات فيه هذه اللحمة، وله أهداف مشتركة، ووجد مع هذه الأهداف المشتركة عنصر الدين- والمجتمعات الإسلامية بها البشر والدين. فما الذي يلغي أثر الدين؟!ويوضح ابن خلدون عاملين يشلان فعالية العصبية ويلغيان دورها وهما:- الخضوع والانقياد
إن وجود الكتلة البشرية - حسب نظرية ابن خلدون - التي بينها رابطة و دين يفترض أن تكون قادرة على إحداث التحولات، ولكن إذا دخل -عند ابن خلدون - عامل الخضوع والانقياد، أو أقحم في هذه المنظومة، نفى عنها قدرتها على إحداث التغيير.إذا أضيف إلى منظومة الخضوع و الانقياد منظومة تؤدي إلى الترف والنعيم والانغماس في الملذات والماديات والمنافع الدنيوية انتهت قضية المدافعة والمغالبة وفقدت العصبية معناها**منقول من كتاب "فلسفة التاريخ" للدكتور جاسم سلطانوقد لفت القرآن انتباهنا إلى دور الترف والنعيم في هلاك الأمم. يقول تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً} .فإذا دخلت في هذه المنظومة منظومة فكرية تعمل كالفيروس - الذي يقوم بانتزاع ثورة المدافعة، ويؤدي إلى الخضوع والانقياد - فمن باب أولى أن تنتهي قضية المطالبة والمقاومة. وهذا أمر هام لقادة النهضة حتى يدركوا من أين يأتي الخلل في بناء الصحوة الضخم ؟!